إلى حياتي، و عمري، و زمني الجميل:
تبدو الحروف تحت أناملي مختلفةً. تتراقص إن غفلتُ
عنها، و سرعان ما تهدأ إذ التقى طرفي بهدبيها. كل الأجسام هكذا، تدفعها الأنظار سعياً
وراء الكمال. لا أزعم مُلكَ سرِ النار، إنما ازداد في اقتباس جدوات الضوء عندما
تلاحظيني. عيناكِ تدفعاني إلى الركض، سريعاً، حتى حدِ الطيران. من المضحكِ تطايرُ
الأفكار داخل رأسي في حضرتكِ. و يضحكني أكثر استشهادي بفيزياء الكم، لإثبات
مكنونات القلب.
تكراراً تسأليني لمَ ثقتي بذاتي مهزوزة؟ كبريائي
بخيلائه تدور حوله أفلاكٌ و شموسٌ و كواكب. إحساسي بالضآلة متأصلٌ في ذراتي عندما
أدرك اتساع الفراغ بداخلها. كم ناجيتك عن رحلة الجسيمات الضئيلة هذه داخل أفئدة
النجوم لمائة الملايين من السنين التي لا تدركها ساعتنا الذهنية. و أُثبِتُ لكِ
بالدليل الذي تخشع له أَذنَيك أن الذراتِ التي أزعم تقبيلها فوق شفاهكِ هي لا شيء
إلا غبارُ نجومٍ سحيقة. بالغٌ في السخف كبريائي!
لازلتُ أتعلم أبجدياتِ البوحِ لك. ثقتي ترتابُ
سعيها إرضائكِ. كلما تعلمتُ أكثر ازددت جهلاً. و كل سؤالٍ يجاب، يضعني
بمواجهة عشرات الأسئلة. لا توجد نهايةٌ للمعرفة، و كذا لحبكِ. قد أغلق كتبي، و
أحرق أوراقي، و أهجر مخبئي، بحثاً عنكِ. أين أراكِ؟ في جنات الياسمين، أو حدائق
التفاح، أو سهولِ الشطآن العاصفة؟ أراكِ، كالفيض الإلهي، مشرق يعشي العيون. مضيء
في ذاته، منعم بتفضله، و رحيم إذ أشع دون أن يحرق. يزداد النور تجلياً، لازداد
جهلاً بسره، كأنه الديجور الأعلى، يرى و لا يدركُ.
في نجواي همستُ لك عن مسالك السماء. كيف استحوذت
على عاقلتي، فاستحقرتُ كل شيءٍ دونها. و لسابق علمي استحالة ادراكها بعظمي الضعيف،
تعاظم داخلي إحساسٌ بالعدمِ. لمَ نستحق كل هذا الجهد لنُخلق، ثم نطغى، و ننسى
النشأة الأولى، و نفنى، لنعود في كرةٍ أخرى، أجساماً أو شبه أجسام؟ كان الشيخ
الرئيس يؤمنُ بخلود الأرواح. لكل ذرةٍ فينا روحٌ و سجلٌ يمتد بعمر الكون، لتَحُلَّ
في حياتنا هذه داخل عينيك. تبصرين بها، و إذ ترين فهي ترى قبل أن نخلق، و تبحثُ
فيما تبصر عن ذرة ألِفتها في نجمةٍ من مجرةٍ أخرى، أو برهةٍ من عصرٍ سحيق.
أنتِ الوجودُ الذي ابحث عنه، و الروحُ التي تسعى
جوارحي في سبيل وصلها. أنتِ الكون الرحبُ، و أنا العدمُ. أبقى فوق البسيطة الزرقاء
متأملاً أنجمكِ، و الأقمار التي تنيرُ وجنتيكِ. و أعلم في جهلي أن الطريق طويلٌ
حتى استعيد ثقتي بذاتي أمام مكنونك أسراركِ و خفايا تكوينك.