أنا و الكون

Friday, May 25, 2012

إلى حياتي، و عمري، و زمني الجميل:

تبدو الحروف تحت أناملي مختلفةً. تتراقص إن غفلتُ عنها، و سرعان ما تهدأ إذ التقى طرفي بهدبيها. كل الأجسام هكذا، تدفعها الأنظار سعياً وراء الكمال. لا أزعم مُلكَ سرِ النار، إنما ازداد في اقتباس جدوات الضوء عندما تلاحظيني. عيناكِ تدفعاني إلى الركض، سريعاً، حتى حدِ الطيران. من المضحكِ تطايرُ الأفكار داخل رأسي في حضرتكِ. و يضحكني أكثر استشهادي بفيزياء الكم، لإثبات مكنونات القلب.

تكراراً تسأليني لمَ ثقتي بذاتي مهزوزة؟ كبريائي بخيلائه تدور حوله أفلاكٌ و شموسٌ و كواكب. إحساسي بالضآلة متأصلٌ في ذراتي عندما أدرك اتساع الفراغ بداخلها. كم ناجيتك عن رحلة الجسيمات الضئيلة هذه داخل أفئدة النجوم لمائة الملايين من السنين التي لا تدركها ساعتنا الذهنية. و أُثبِتُ لكِ بالدليل الذي تخشع له أَذنَيك أن الذراتِ التي أزعم تقبيلها فوق شفاهكِ هي لا شيء إلا غبارُ نجومٍ سحيقة. بالغٌ في السخف كبريائي!

لازلتُ أتعلم أبجدياتِ البوحِ لك. ثقتي ترتابُ سعيها إرضائكِ. كلما تعلمتُ أكثر ازددت جهلاً. و كل سؤالٍ يجاب، يضعني بمواجهة عشرات الأسئلة. لا توجد نهايةٌ للمعرفة، و كذا لحبكِ. قد أغلق كتبي، و أحرق أوراقي، و أهجر مخبئي، بحثاً عنكِ. أين أراكِ؟ في جنات الياسمين، أو حدائق التفاح، أو سهولِ الشطآن العاصفة؟ أراكِ، كالفيض الإلهي، مشرق يعشي العيون. مضيء في ذاته، منعم بتفضله، و رحيم إذ أشع دون أن يحرق. يزداد النور تجلياً، لازداد جهلاً بسره، كأنه الديجور الأعلى، يرى و لا يدركُ.

في نجواي همستُ لك عن مسالك السماء. كيف استحوذت على عاقلتي، فاستحقرتُ كل شيءٍ دونها. و لسابق علمي استحالة ادراكها بعظمي الضعيف، تعاظم داخلي إحساسٌ بالعدمِ. لمَ نستحق كل هذا الجهد لنُخلق، ثم نطغى، و ننسى النشأة الأولى، و نفنى، لنعود في كرةٍ أخرى، أجساماً أو شبه أجسام؟ كان الشيخ الرئيس يؤمنُ بخلود الأرواح. لكل ذرةٍ فينا روحٌ و سجلٌ يمتد بعمر الكون، لتَحُلَّ في حياتنا هذه داخل عينيك. تبصرين بها، و إذ ترين فهي ترى قبل أن نخلق، و تبحثُ فيما تبصر عن ذرة ألِفتها في نجمةٍ من مجرةٍ أخرى، أو برهةٍ من عصرٍ سحيق.

أنتِ الوجودُ الذي ابحث عنه، و الروحُ التي تسعى جوارحي في سبيل وصلها. أنتِ الكون الرحبُ، و أنا العدمُ. أبقى فوق البسيطة الزرقاء متأملاً أنجمكِ، و الأقمار التي تنيرُ وجنتيكِ. و أعلم في جهلي أن الطريق طويلٌ حتى استعيد ثقتي بذاتي أمام مكنونك أسراركِ و خفايا تكوينك. 

الصعود إلى القمر

Friday, May 18, 2012

إلى حياتي، و عمري، و زمني الجميل:

هشة هي مخاوفي، و إن كانت ضاربةً في العمق. تكاد نسمة الهواء الرقيقة أن تهزها و تذهب بها سحيقاً، فمن أكثرُ رقةً منكِ كي تزيلها من جذورها؟ أضطربُ إثر أفكارٍ مُوقِنٌ ظنونها و كَذِبِها، و أحارُ، أنَّ لي مواراتها تحت حجاب الأمل. مزعزعةٌ ثقتي بالأيام، و يعز عليَّ أن نبدأ الإبحار في موج عاتٍ أهوج. ستحملين زاداً شحيحاً، و كذا أريد، فسرعان ما يتغير اتجاه الريح و يصل حائر الموج إلى قرار.

أخاف تعود بث همومي لكِ، و أن تدمني تعاطيها، و أنا رجلٌ ذو شجون. أقلق إثر قطرةِ الندى، تسلكُ سبيلاً فوق وجنتيك. و أخشى من تهاوي الأوراق خريفاً أن يُنشِزَ مغناكِ. آه، كم تلذ لي لحظة من الزمن الجميل، يحملني فيها نهداك خارج حدود الزمن، و نقاط التفتيش، و فواصل الطريق. تلعمين جهلي بسبيل مخدعك، و يحلو لكِ انتظارَ محاولاتي رمي نافذتك بحصاةٍ أو رسالةِ حب. و أدعوكِ فوق البساط الطائرِ إلى رحلةٍ نلامس فيها سقف السماء، و نجاور النجوم، ثم نأخذ غفوةً في جنانِ الياسمين. إيهٍ، و لي فيها جنتان.

لا أريد الصعود إلى القمر وحيداً. سنهربُ من تلك الأفواهِ التي تنثر الضغينة فوق صفحة البياض. نَسترشِدُ نبض قلبينا في سبل السماء. رحلة الفضاءِ، ألين عريكةً من الإبحار في موج مجهولِ الشطآن. سأزعم مُلكَ النجوم، و أنتِ قمري، تطمع في جيرتكِ كل الأفلاكِ. سيهدأ عاصفُ البال، و يخلدُ في سكون الليل.

يوجدٌ أثر في شفاهك كالحشيش، يحملني من طي الترقب إلى فسيح الأمل. و في عينيكِ إكسير حياةٍ سيأخذني، يغسلني، و أدخل كمن لا عهد له بعبادة الأصنام، دين: أخاف اللهَ فيكِ.

تبدو لكِ شكوايَّ ضئيلةٌ، و أنت كالملائكة تستشرفين الحياة من نوافد الجنة. و تصغر بحور الهم في صدري عندما أروى، عذباً زلالاً، تنزَّل ليرفعني. و هَمَّ بعنابك القاني، وارد سقيى، و ينبوعَ ماءٍ صافي.

أحاول حمل الحروف تجاه ظني السيئ، فأُعصى في قلمي، و يشاءُ مثل ما تشائين. تطلبين إغماض عينيَّ، و أشرع في رحلة الوصلِ. رؤوس أناملك تنتظر البحار "بعد طول مشقةٍ" فيحلو له المبيت و الإصباحُ في المرسى. 

القلب الوجل

Sunday, May 06, 2012
إلى حياتي، و عمري، و زمني الجميل:

قلبيَّ الوجلُ،        
تترأى في مقلتيه الأسئلة،
و صورٌ من الزمنِ الجميل
باهتةٌ
عانقها الموجُ
يأخذ الرماد بعيداً
و تبقى المنفعة.
كيف يراكِ؟
سئم النبضَ منتظراً إياكِ.
وجنتا ياسمينٍ
و عنابٌ
و قبلٌ تعوم بين الأثير
و المخيلة.
تخشى أن يمسها من نورك شيءٌ
فتُحرَقَ!
أنتِ ذات الجمال،
و إن أغضت عينيَّ عنها
أراكِ الكمالَ
تهاوت تحتك عوالمٌ
متشابهات
و متناقضات.
و يقين الباصرة،
في ظنونها صدقت;
أنكِ بنت الملائكة.
سأغفو لحظةً
تُخطفُ من مقلتيَّ سريعاً
علها تعودُ
بموعدٍ كان ضرباً من الجنون
حملني الشوق فيه:
أضغات أحلامٍ
و صلوات الملك الأقرب.
حفه حجابٌ مضيءٌ
فيغشى "القلبَ و ما هوى."
يا صنيعة النور
و جنة الياسمين
و نبرة الحزن التي
أكتمها،
عندما تضحيكن.
جثت لك
أحمل إرث الليالي
باغتها الفجر و بعدُ لم تنامين
أثقلت كاهلي فيها
قصصٌ ينسجها
قلبٌ وجلٌ
و ظنون بعضها سُئلَ،
و أخرى لا تعلمين.

6/5/2012