كيف
أقول لكِ أن حروفي جامحةٌ في فرارها من صدري؟ لا أكاد أن امسك زمامها حتى تختفي
داخل أخاديد عقلي. كيف أكتب لكِ رسالة حب، أو اعتذار، أو رجاء، و بينك و بيني
أعاصيرٌ و برق و رعدٌ و زلازل تهتز في السماء فتخشع الأرضُ؟ لا أعلم ما القصة، و
لكنها تتعلق بشيءٍ في عينيك. حين تختزل طرفة عينيك رحلة مليارات السنين. الضوء
يسافر باحثاًعن مأوى، و قد استنفذ في بحثه ثلاثة عشر مليار عام. عمر الكون يفنى، و
يبدو ضئيلاً، كضآلة بني البشر و هم يزمجرون و يعربدون، و ينضب العدد الطويل هذا
حتى يحسب بالليالي و الأيام طلبا لملجئٍ في مقلتيك.
كم
هي سخيفةٌ حساباتنا عندما تقف أمام الدهور التي تأصلت في الأبد، و تأول إلى
الفناء. كم يبدو وجودنا عارضٌ، صدفة، زلة، أو إساءة اعتبارات أولية. خلقنا على وجه
الأزرق صغاراً و هو ضاربٌ في الهرمِ، يكاد عمره أن يبلغ الخمسة مليارات ربيع. و
ربكِ، لم تكن سنونه كلها ربيع. لولهة راودتني الظنون أن الدماء التي تراق أو
الدموع التي تنهمرُ ستثور. ثورةً سرعان ما تنتهي، و وجودٌ أوشك على التناقص و
التأكل. ستأكل الأم رضيعها، و تسقي دمائه آديم الأرض، علها تلج رحماً لجنونٍ جديد،
أو تثمر خمراً و كافور. ستشرق الشمس قريباً على أرض من غير آدميين، و ستشرق اليوم
الذي يليه، و اليوم الذي يليه، و يليه، و يليه.
إن
بقائي سرمدي و ذكري خالدٌ بين العالمين. ثقتي الممزوجة بالجنون تكمن في عمري. بنى
جسدي غبار النجوم السابقة، و كل ذرةٍ في جوارحي تأتي من مجرةٍ سحيقةٍ و بائدة. أنا
بقية النور الذي احترق، و أنا الذرات التي تحكي عن الكون، و تلهج بذكر الرحيل منذ
مليارات السنين. سأختفي عن وجه البسيطة، و ستفنى البسيطة، و ستحمل العواصف
الكونية، غباراً داخل جسدي، لجسدِ أنثى بعيدة، في مجرة أخرى، و كون موازٍ.
أعلم
أنكِ تبغضين الفيزياء. حقيقة وصولك سالمةً لهذه الجملة تثبت حقيقةً واحدة، تجاوزتي
الحيز الأكبر من مناقصي و عيوبي. أعزائي ابتعدوا و عطلوا الباصرة، أثقلت في حديثي
السابق تنفيراً لكم. العمر الذي تحمله أجزائي يجعل التنبئ بالمستقبل سهلاً في مرمى
العين و متناول العاقلة. لذا أقول لك بثقة المليارت التي اجتمعت في جسدي أن حياتي
الباقية القصيرة أصعب عندما تُعِرضين، من تجمع العناصر التي شيدت وجودي. أصعب من
صناعة العوالم و تفجرها، و إعادة بنائها و هدمها. اسمعيني، مر الكون بعصورٍ كان
يخطأ ليتعلم. هل اخطأت؟ أنا هنا لأتعلم!
أنا
و أنتِ و العالمُ الأوسعُ. أنا و أنتِ و رحلةٌ بين النجوم، و الأجرام. أنا و أنتِ،
و رجاءٌ، "آهٍ، كم عذبني طول الرجاء." يبدو الكون ضئيلاً عندما أصنعهُ
في سطوري و أجعله نداً لوجودكِ ثم وجودي و من بعدُ صنعة اللهِ التي ليس كمثلها
شيء. أعلم أن العين لازالت تتلصص و تسترق وميض الكلمات. كذاك الوميض الذي يشع من
عينيكِ. و لأنهم يقرأون معكِ تتغير أشكال الحروفِ، و تختلف معاني الكلماتِ، و
تتمحور الجملُ تحت عين الملاحظة من وداعٍ إلى لقاء. سألقاكِ عندما يلتقي ضوء ساطع
سحيقٍ بروعكِ، علهُ ما تبقى من الوحي، و ما نُسِيَ من سلالة الأنبياء.
فداءً
لعينيك كل جرمٍ منير، و ألف صلاةٍ قدمتها بين يدي ربي فيها من الأماني ما أثقلت حمله
فكري و قلبي. فيها من الجنون ما يدفعني أن أنهجَ سبيلاً عسيراً طلباً لوصالكِ.
فيها من القوةِ أن أجمعها بصدري و ألا ينفجر، و من الرقةِ أن تذرف عيوني أدمعاً
حين تلاوتها. و فيها من الضعفِ أن تنساق تحت ركاب الكلماتِ، قاصرةً في تعبيرها،
ناقصةً في معانيها. ضئيلٌ أنا، عندما أرى الكون و انهمك في أرقامه. ضئيل حينما
أراكِ ترحلين كسرعة الضوء ببهاء وجودي، و عجيب صنيعي.
Beautiful
Loved it.
:)