رحلة الضوء

Friday, December 02, 2011

كيف أقول لكِ أن حروفي جامحةٌ في فرارها من صدري؟ لا أكاد أن امسك زمامها حتى تختفي داخل أخاديد عقلي. كيف أكتب لكِ رسالة حب، أو اعتذار، أو رجاء، و بينك و بيني أعاصيرٌ و برق و رعدٌ و زلازل تهتز في السماء فتخشع الأرضُ؟ لا أعلم ما القصة، و لكنها تتعلق بشيءٍ في عينيك. حين تختزل طرفة عينيك رحلة مليارات السنين. الضوء يسافر باحثاًعن مأوى، و قد استنفذ في بحثه ثلاثة عشر مليار عام. عمر الكون يفنى، و يبدو ضئيلاً، كضآلة بني البشر و هم يزمجرون و يعربدون، و ينضب العدد الطويل هذا حتى يحسب بالليالي و الأيام طلبا لملجئٍ في مقلتيك.

كم هي سخيفةٌ حساباتنا عندما تقف أمام الدهور التي تأصلت في الأبد، و تأول إلى الفناء. كم يبدو وجودنا عارضٌ، صدفة، زلة، أو إساءة اعتبارات أولية. خلقنا على وجه الأزرق صغاراً و هو ضاربٌ في الهرمِ، يكاد عمره أن يبلغ الخمسة مليارات ربيع. و ربكِ، لم تكن سنونه كلها ربيع. لولهة راودتني الظنون أن الدماء التي تراق أو الدموع التي تنهمرُ ستثور. ثورةً سرعان ما تنتهي، و وجودٌ أوشك على التناقص و التأكل. ستأكل الأم رضيعها، و تسقي دمائه آديم الأرض، علها تلج رحماً لجنونٍ جديد، أو تثمر خمراً و كافور. ستشرق الشمس قريباً على أرض من غير آدميين، و ستشرق اليوم الذي يليه، و اليوم الذي يليه، و يليه، و يليه.
إن بقائي سرمدي و ذكري خالدٌ بين العالمين. ثقتي الممزوجة بالجنون تكمن في عمري. بنى جسدي غبار النجوم السابقة، و كل ذرةٍ في جوارحي تأتي من مجرةٍ سحيقةٍ و بائدة. أنا بقية النور الذي احترق، و أنا الذرات التي تحكي عن الكون، و تلهج بذكر الرحيل منذ مليارات السنين. سأختفي عن وجه البسيطة، و ستفنى البسيطة، و ستحمل العواصف الكونية، غباراً داخل جسدي، لجسدِ أنثى بعيدة، في مجرة أخرى، و كون موازٍ. 

أعلم أنكِ تبغضين الفيزياء. حقيقة وصولك سالمةً لهذه الجملة تثبت حقيقةً واحدة، تجاوزتي الحيز الأكبر من مناقصي و عيوبي. أعزائي ابتعدوا و عطلوا الباصرة، أثقلت في حديثي السابق تنفيراً لكم. العمر الذي تحمله أجزائي يجعل التنبئ بالمستقبل سهلاً في مرمى العين و متناول العاقلة. لذا أقول لك بثقة المليارت التي اجتمعت في جسدي أن حياتي الباقية القصيرة أصعب عندما تُعِرضين، من تجمع العناصر التي شيدت وجودي. أصعب من صناعة العوالم و تفجرها، و إعادة بنائها و هدمها. اسمعيني، مر الكون بعصورٍ كان يخطأ ليتعلم. هل اخطأت؟ أنا هنا لأتعلم!

أنا و أنتِ و العالمُ الأوسعُ. أنا و أنتِ و رحلةٌ بين النجوم، و الأجرام. أنا و أنتِ، و رجاءٌ، "آهٍ، كم عذبني طول الرجاء." يبدو الكون ضئيلاً عندما أصنعهُ في سطوري و أجعله نداً لوجودكِ ثم وجودي و من بعدُ صنعة اللهِ التي ليس كمثلها شيء. أعلم أن العين لازالت تتلصص و تسترق وميض الكلمات. كذاك الوميض الذي يشع من عينيكِ. و لأنهم يقرأون معكِ تتغير أشكال الحروفِ، و تختلف معاني الكلماتِ، و تتمحور الجملُ تحت عين الملاحظة من وداعٍ إلى لقاء. سألقاكِ عندما يلتقي ضوء ساطع سحيقٍ بروعكِ، علهُ ما تبقى من الوحي، و ما نُسِيَ من سلالة الأنبياء.

فداءً لعينيك كل جرمٍ منير، و ألف صلاةٍ قدمتها بين يدي ربي فيها من الأماني ما أثقلت حمله فكري و قلبي. فيها من الجنون ما يدفعني أن أنهجَ سبيلاً عسيراً طلباً لوصالكِ. فيها من القوةِ أن أجمعها بصدري و ألا ينفجر، و من الرقةِ أن تذرف عيوني أدمعاً حين تلاوتها. و فيها من الضعفِ أن تنساق تحت ركاب الكلماتِ، قاصرةً في تعبيرها، ناقصةً في معانيها. ضئيلٌ أنا، عندما أرى الكون و انهمك في أرقامه. ضئيل حينما أراكِ ترحلين كسرعة الضوء ببهاء وجودي، و عجيب صنيعي.

2 comments:

  1. Ahmed said...:

    thank u very much..
    I wish it reaches its destination. ;)

Post a Comment