أنثى اسمها وسن: معزوفة منفردة

Tuesday, August 17, 2010


through sleepy eyes

بالكادِ يقدر الحَمل الوديع الذي ما زالت أمه الأرض تلفه بعطائها، و تنسج حوله خيوط هباتها، بالكاد يقدر أن يبصرأنملة بعد أرنبة أنفه. فما باله حملي الذي لازال يتهجأ البعبعة يحاول النهيق كالحمار؟ أظن أول حواس الإنسان نضجاً هي السمع، و أخرها البصر. لذا مات بيتهوفن عندما أصبح أصمخ، و عاش المعري ينشد شعراً و هو أعمى. أغمضت عيني طويلاً. حجبت عنها الضوء لتدرك أنها لازالت في عالم الضوء. كما أخافني إدراكي المشوش عندما انتقل لغير المكان و غير الزمان، دون أن انتبه أو أتمكن السيطرة عليه. أريد أن أبوح بمخاوفي تلك، و لكن الصراع داخلي بين الواقعين يسلبني طاقة البوح، و الكلام.

سئمت البحث: لا يوجد شيءٌ في الحقيقة، إلا و رديفه، الصورة المعاكسة، النسخة المطابقة موجود في الحلم. المترادفات تميل للتصارع، مثل أصحاب الصنعة الواحدة، لتصل أولا إلى مقعد الكمال، و مجالس الاستحسان. و يبدو لي، كما أدرك أو أتوهم، أن معاني الحقيقة و الحلم بدأت تصارع بعضها البعض. كالصحة و المرض، فما بالك إذا كان مرضاً يقاتل مرضاً. كلٌ يُسرِع في غزوه لجزءٍ من واقعي. ياللحِمل الذي أغرق حفر مداركي، تلك التي تبتلع كل ما تشتهي. النجمة التي تلمع كالألماسة فوق تاج الظلام، ما عادت ذات اللامعة. رائحة العشب تحت عاتقي تتسلل لغير أنفي، فتصبح كالغريب الذي يثير ظن الجميع، فكلٌ يتشممه بإزدراء و تحسس. و طعم النبيذ صار كطعم الماء.

هي كما ظننتُ، خيوط إدراكي تحترق. و كم هو نسيج مهتريء يكسو الواقع في عالمي. فإذا تعرى، يا ترى ما يمنع أحلامي أن تتحرش به؟ كم سلطت عليَّ الأحلام أنثى، أشهى من تسلل الليل لعيني، و تدعوني لذاتها، و إن مانعتها بالنعاس، فهو يهبني لها. فإذا 
هربتُ، خلفتُ ورائي الوسنَ، وأنثى اسمها وسنُ.
sleepy leaves
و أصبحت أحلامي تسلط علي ما أكتبُ. "نحن مكائنٌ غرضها أن تحبَ و تقتل." و ازدانت بأثوابها بعد طول خياطة و تصميم. أبصرتها، و ربك الذي تسجدين له، أبصرتها و هي تكتبُ في مكنون عقلي، و كيف تتحكم فيها مداركي فتراودها بالتحرير إضافةً و ترتيبا. كيف خطفت أميرتي صاحبة الحروف الثلاثة، وسن، من حضن أبيها. و مررت بها باباً صغيراً في سورٍ شاهق؟ ثم أسكنتها غرفةً ضيقة، أكاد أنا، قاطنها الوحيد، أن أختنق و جدران حجرتي تصبح جزءً من الهواء الذي اتنفسه. هذا هو الواقع الذي نعيشه، أحبائي، يمتاز بكثافة غليظة: منذ عشرة أيام سقطت الوردة الرابعة و العشرين من باقة حياتي.. آهٍ، كم يبدو لي أن بستاناً من 
الزهور ذبل و اختفى.. و كأني بلغت الثمانين قبل آواني.

و بعقلٍ مليءٍ بالغذاء أقول: أيها الكريهون، أقصد الأحبة، ما يميز كل واقع عن غيره، هو اختلاف الكثافة، هي نفس المادة*، هي نفس الأحداث، و لكن فترة الزمن التي تحملها تختلف. عاصرت 3 كثافات مختلفة: الأحلام، اكثر الوقائع غلاظة، عصور تقضي نحبها في لمحة عين. و أمم تعيش كدحها في الصعود قروناً، ثم تهوي حين ينتهي الحلمُ. و الموتُ: الضجر القاتل، و لا أقصد استخدام (القاتل) لحتمية الأمر. و لكن و ربك الذي ستلاقيه حينها، كم تقضي من السنين تتعفن في القبر حتى تذوب و تختفي.. كفص ملحٍ في فم الأرض. و الحياة، و إن كنت اتحفظ على الاسم، فالواقعان الذان ذكرنا آنفاً هما حياة مختلفتا الكثافة.

بين خلق الله جميعاً، أنا و وسن نستطيع أن نعرف الفرق بين واقعين مختلفين. من منكم يستطيع الجزمَ أنه لا يعيش الحلمَ في يقظته، و يعيش اليقظة في حلمه. و عندما أترك وسن في الحلم، أبقى أنا في بين بني يقظان، أقدر التنقل بين الكثافات المختلفة، بحرية. و لهذا بدأت حواسي بالتجرد من صفة التكذيب للخارق عن العادة. و صار مركز العقل الأعلى يوحي لي حيناً بالتحليق و الطيران. إن سلمنا، أعزائي بأن حواسنا تستلهم ما حولنا، و تتلوه على الإدراك، فتتكون صورة و رائحة و حس: الواقع. و ربك الذي لا رب له، هذه الدائرة كمن لا دائرة له.. أكمل الأشكال، ميحط مغلق يظل اليقاظى بحواسهم حبساه، يحميها من التصدع وهم التصديق بإدراكنا للحياة. و نبقى ندور و ندور كمن لا عقل له حول مركزٍ نسميه، أو يسميه إدراكنا بالواقع. 

لتبسيط الأمور، أيها الأحبة و القاتلون، و الكريهون، سأغمض عيني و أنام... و أدعوكم لفعل المثل.

sleepy sam  

1 comments:

  1. Anonymous said...:

    كم انا مشتاقه لابداعـــك يا استاذي الفاضل..ولكن تمر حواااطر وتتابع الإسئلــه ..ما اروعك واروع مافي الكون قلب ينبض بقلم صخب وشامخ..انت ما ابحث عنك ما مضى كالاحلام كنائم راي مسيره حياته في لمح البصـــر ثم استيـقظ وذهبت الايام بالاحلام اؤمن ان احيا وفي كل ساعه تكون بحانبببي يا روحي

Post a Comment